الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من لطائف وفوائد المفسرين: من لطائف القشيري في الآية:قال عليه الرحمة:{فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)}.إذا سَمَّى الله إنسانًا بأنه عَبْدُه جَعَلَه من جملة الخواص؛ فإذا قال: عبدي. جعله من خاص الخواص.{ءَاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا}: أي صار مرحومًا من قِبَلِنا بتلك الرحمة التي خصصناه بها من عندنا، فيكون الخضربتلك الرحمة مرحومًا، ويكون بها راحمًا على عبادنا.{وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}: قيل العلم من لدن الله ما يتحصل بطريق الإلهام دون التكلف بالتّطَلُّب.ويقال ما يُعرَّف به الحقُّ- سبحانه- الخواصَ من عباده.ويقال ما يعرَّف به الحق أولياءَه فيما فيه صلاح عباده.وقيل هو ما لا يعود منه نَفْعٌ إلى صاحبه، بل يكون نفعُه لعباده مِمَّا فيه حقُّ الله- سبحانه.ويقال هو ما لا يَجِد صاحبُه سبيلًا إلى جحده، وكان دليلًا على صحة ما يجده قطعًا؛ فلو سألتَه عن برهانه لم يجد عليه دليلًا؛ فأقوى العلوم أبعدها من الدليل.{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)}.تلَطَّفَ في الخطاب حيث سَلَكَ طريق الاستئذان، ثم صَرَّح بمقصوده من الصحبة بقوله: {عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}.ويقال إن الذي خُصَّ به الخضرُ من العلم لم يكن تَعَلَمّه من أستاذ ولا من شخص، فما لم يكن بتعليم أحد إياه.. متى كان يعلمه غيره؟{قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)}.سؤال بذلك العطف وجوابٌ بهذا العطف!ثم ندارك قلبَه بقوله: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا}؟، فأجابه موسى: {قَالَ سَتَجِدُنِى} وعد من نفس موسى بشيئين: الصبر، وبأن لا يعصيَه فيما يأمر به، فأمَّا الصبر فَقَرَنَه بالاستثناء بمشيئة الله فقال: {سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} فصبر حتى وُجِدَ صابرًا، فلم يقبض على يدي الخضر فيما كان منه من الفعل، والثاني قوله: {وَلاَ أَعْصِى لَكَ أَمْرًا}: أطلقه ولم يُقْرِنْه بالاستثناء، فما استنشأ لأَِجْله لم يخالفه فيه، وما أطلقه وقع فيه الخُلْفُ.{قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)}.فإنه ليس للمريد أن يقول: لا. لشيخه، ولا التلميذ لأستاذه، ولا العاميّ للعالمِ المفتي فيما يفتي ويحكم. اهـ..تفسير الآيات (71- 74): قوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)}..مناسبة الآيات لما قبلها: قال البقاعي:ولما تشارطا وتراضيا على الشرط سبب قوله تعالى: {فانطلقا} أي موسى والخضر عليهما السلام على الساحل، يطلبان سفينة يركبان فيها واستمرا {حتى إذا ركبا في السفينة} وأجاب الشرط بقوله تعالى: {خرقها} وعرفها لإرشاد السياق بذكر مجمع البحرين إلى أن انطلاقهما كان لطلب سفينة، فكانت لذلك كأنها مستحضرة في الذهن، ولم يقرن خرق بالفاء لأنه لم يكن مسببًا عن الركوب ولا كان في أول أحيانه؛ ثم استأنف قوله تعالى: {قال} أي موسى عليه السلام، منكرًا لذلك لما في ظاهره من الفساد بإتلاف المال المفضي إلى فساد أكبر منه بإهلاك النفوس، ناسيًا لما عقد على نفسه لما دهمه مما عنده من الله- وهو الإله العظيم- من العهد الوثيق المكرر في جميع أسفار التوراة بعد إثباته في لوحي الشهادة في العشر كلمات التي نسبتها من التوراة كنسبة الفاتحة من القرآن بالأمر القطعي أنه لا يقر على منكر، ومن المقرر أن النهي واجب على الفور، على أنه لا يقر على منكر، ومن المقرر أن النهي واجب على الفور، على أنه لو لم ينس لم يترك الإنكار، كما فعل عند قتل الغلام، لأن مثل ذلك غير داخل في الوعد، لأن المستثنى شرعًا كالمستثنى وضعًا، ففي الأولى نسي الشرط، وفي الثانية نسي- لما دهمه من فظاعة القتل الذي لم يعلم فيه من الله أمرًا- أنه ينبغي تقليده لثناء الله تعالى عليه: {أخرقتها} وبين عذره في الإنكار بما في غاية الخرق من الفظاعة فقال: {لتغرق أهلها} والله! {لقد جئت شيئًا إمرًا} أي عظيمًا منكرًا عجيبًا شديدًا {قال} أي الخضر عليه السلام: {ألم أقل إنك} يا موسى! {لن تستطيع معي صبرًا} فذكره بما قال له عند الشرط {قال} موسى: {لا تؤاخذني} يا خضر {بما نسيت} من ذلك الاشتراط {ولا ترهقني} أي تلحقني بما لا أطيقه وتعجلني عن مرادي باتباعك على وجه القهر ناسبًا لي إلى السفه والخفة وركوب الشر {من أمري عسرًا} بالمؤاخذة على النسيان، فكل منهما صادق فيما قال، موف بحسب ما عنده، أما موسى عليه السلام فلأنه ما خطر له قط أن يعاهد على أن لا ينهى عما يعتقده منكرًا، وأما الخضر فإنه عقد على ما في نفس الأمر لأنه لا يقدم على منكر، ومع ذلك فما نفي إلا الصبر البليغ الذي دل عليه بزيادة تاء الاستفعال، وقد حصل ما يطلق عليه صبر.لأنه لما ذكره كف عنه لما تذكر بثناء الله عليه أنه لا يفعل باطلًا، ولم يحصل الصبر البليغ الذي في نفس الخضر بالكسوت في أول الأمر وآخره {فانطلقا} بعد نزولهما من السفينة وسلامتها من الغرق والغصب {حتى إذا لقيا غلامًا} لم يبلغ الحلم وهو في غاية القوة {فقتله} حين لقيه- كما دلت عليه الفاء العاطفة على الشرط.ثم أجاب الشرط بقوله مشعرًا بأن شروعه في الإنكار في هذه أسرع: {قال} أي موسى عليه السلام: {أقتلت} يا خضر {نفسًا زكية} بكونها على الفطرة الأولى من غير أن تدنس بخطيئة توجب القتل {بغير نفس} قتلتها ليكون قتلك لها قودًا؛ وهذا يدل على أنه كان بالغًا حتى إذا قتل قتيلًا أمكن قتله به إلا أن يكون شرعهم لا يشترط البلوغ؛ ثم استأنف قوله: {لقد جئت} في قتلك إياها {شيئًا} وصرح بالإنكار في قوله: {نكرًا} لأنه مباشرة.والخرق تسبب لا يلزم منه الغرق. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)}.اعلم أن موسى وذلك العالم لما تشارطا على الشرط المذكور وسارا فانتهيا إلى موضع احتاجا فيه إلى ركوب السفينة فركباها وأقدم ذلك العالم على خرق السفينة، وأقول لعله أقدم على خرق جدار السفينة لتصير السفينة بسبب ذلك الخرق معيبة ظاهرة العيب فلا يتسارع الغرق إلى أهلها فعند ذلك قال موسى له: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} وفيه بحثان:البحث الأول:قرأ حمزة والكسائي: {ليغرق أَهْلِهَا} بفتح الياء على إسناد الغرق إلى الأهل والباقون لتغرق أهلها على الخطاب، والتقدير: لتغرق أنت أهل هذه السفينة.البحث الثاني:أن موسى عليه السلام لما شاهد ذلك الأمر المنكر بحسب الظاهر نسي الشرط المتقدم فلهذا المعنى قال ما قال، واحتج الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية من وجهين.الأول: أنه ثبت بالدليل أن ذلك العالم كان من الأنبياء، ثم قال موسى عليه السلام: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} فإن صدق موسى في هذا القول دل ذلك على صدور الذنب العظيم عن ذلك النبي، وإن كذب دل على صدور الكذب عن موسى عليه السلام.الثاني: أنه التزم أن لا يعترض على ذلك العالم.وجرت العهود المؤكدة لذلك، ثم إنه خالف تلك العهود وذلك ذنب.والجواب عن الأول: أنه لما شاهد موسى عليه السلام منه الأمر الخارج عن العادة قال هذا الكلام، لا لأجل أنه اعتقد فيه أنه فعل قبيحًا، بل لأنه أحب أن يقف على وجهه وسببه، وقد يقال في الشيء العجيب الذي لا يعرف سببه إنه أمر يقال أمر الأمر إذا عظم وقال الشاعر:وعلى الثاني: أنه فعل بناء على النسيان، ثم إنه تعالى حكى عن ذلك العالم أنه لما خالف الشرط لم يزد على أن قال: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا} فعند هذا اعتذر موسى عليه السلام بقوله: {لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ} أراد أنه نسي وصيته ولا مؤاخذة على الناسي بشيء: {وَلاَ تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْرًا} يقال: رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه أي ولا تغشني من أمري عسرًا، وهو اتباعه إياه يعني ولا تعسر على متابعتك ويسرها علي بالإغضاء وترك المناقشة، وقرئ: {عُسْرًا} بضمتين.{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)}.اعلم أن لفظ الغلام قد يتناول الشاب البالغ بدليل أنه يقال رأى الشيخ خير من مشهد الغلام جعل الشيخ نقيضًا للغلام وذلك يدل على أن الغلام هو الشاب وأصله من الاغتلام وهو شدة الشبق وذلك إنما يكون في الشباب، وأما تناول هذا اللفظ للصبي الصغير فظاهر، وليس في القرآن كيف لقياه هل كان يلعب مع جمع من الغلمان الصبيان أو كان منفردًا؟ وهل كان مسلمًا أو كان كافرًا؟ وهل كان منعزلًا؟ وهل كان بالغًا أو كان صغيرًا؟ وكان اسم الغلام بالصغير أليق وإن احتمل الكبير إلا أن قوله: {بِغَيْرِ نَفْسٍ} أليق بالبالغ منه بالصبي لأن الصبي لا يقتل وإن قتل، وأيضًا فهل قتله بأن حز رأسه أو بأن ضرب رأسه بالجدار أو بطريق آخر فليس في لفظ القرآن ما يدل على شيء من هذه الأقسام فعند هذا قال موسى عليه السلام: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا} وفيه مباحث:البحث الأول:قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {زاكية} بالألف والباقون {زكية} بغير ألف قال الكسائي: الزاكية والزكية لغتان ومعناهما الطاهرة، وقال أبو عمرو الزاكية التي لم تذنب والزكية التي أذنبت ثم تابت.البحث الثاني:ظاهر الآية يدل على أن موسى عليه السلام استبعد أن يقتل النفس إلا لأجل القصاص بالنفس وليس الأمر كذلك لأنه قد يحل دمه بسبب من الأسباب، وجوابه أن السبب الأقوى هو ذلك.البحث الثالث:النكر أعظم من الإمر في القبح، وهذا إشارة إلى أن قتل الغلام أقبح من خرق السفينة لأن ذلك ما كان اتلافًا للنفس لأنه كان يمكن أن لا يحصل الغرق، أما هاهنا حصل الإتلاف قطعًا فكان أنكر وقيل إن قوله: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} أي عجبًا والنكر أعظم من العجب وقيل النكر ما أنكرته العقول ونفرت عنه النفوس فهو أبلغ في تقبيح الشيء من الإمر ومنهم من قال: الإمر أعظم.قال: لأن خرق السفينة يؤدي إلى إتلاف نفوس كثيرة وهذ القتل ليس إلا إتلاف شخص واحد وأيضًا الإمر هو الداهية العظيمة فهو أبلغ من النكر. اهـ. .قال الماوردي: قوله عز وجل: {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها}.لأنه أراد أن يعبر في البحر إلى أرض أخرى فركب في السفينة وفيها ركاب، فأخذ الخضر فأسًا ومنقارًا فخرق السفينة حتى دخلها الماء وقيل إنه قلع منها لوحين فضج ركابها من الغرق.فـ: {قال} له موسى {أخرقتها لتغرق أهلها} وإن كان في غرقها غرق جميعهم لكنه أشفق على القوم أكثر من إشفاقه على نفسه لأنها عادة الأنبياء. ثم قال بعد تعجبه وإكباره {لقد جئت شيئًا إمْرًا} فأكبر ثم أنكر، وفي الإمر ثلاثة أوجه:أحدها: يعني منكرًا، قاله مجاهد.الثاني: عجبًا، قاله مقاتل.الثالث: أن الإمر الداهية العظيمة، قاله أبو عبيدة وأنشد:وهو مأخوذ من الإمر وهو الفاسد الذي يحتاج إلى الصلاح، ومنه رجل إمر إذا كان ضعيف الرأي لأنه يحتاج أن يؤمر حتى يقوى رأيه، ومنه أمِر القومُ إذا أكثروا لأنهم يحتاجون إلى من يأمرهم وينهاهم.قوله عز وجل: {قال لا تؤاخذني بما نسيتُ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: بما نسيته وغفلت عنه فلم أذكره، وقد رفعه أبي بن كعب.الثاني: بما كأني نسيته، ولم أنسه في الحقيقة. حكى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: لم ينس ولكنها معاريض الكلام.الثالث: بما تركته من عهدك، قاله ابن عباس، مأخوذ من النسيان الذي هو الترك لا من النسيان الذي هو من السهو.
|